الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (تونس، 1296 هـ/1879-13 رجب 1393 هـ/12 أغسطس 1973) في عيون تلميذه الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة رحمه الله
قال الإمام العلامة متحدثا عن شيخه :
ولم يأل هذا المصلح الشهير والعلامة المنقطع النظير جهدا في السير بالتعليم الزيتوني إلى أقصى ما بلغ إليه في حياته. فكان المدرس الناجح المثالي فيما ألقاه على طلبته من دروس في مختلف العلوم والفنون، الشرعي منها و اللغوي. وإنا لا نزال نذكر من ذلك دروسه في التفسير وفي مقاصد الشريعة وفي الأصول وفي الفقه، كما أننا لا ننسى عنايته بالجانب اللساني والأدبي، إذ درس ديوان الحماسة بشرح المرزوقي، وعلوم البلغة من أمهات مصادرها، شارحا لما احتوته من القواعد وقوانين النظم، ومناقشا لآراء الأئمة المتقدمين، مدليا بدلوه بما أفاء الله عليه من دقيق الفهم وعمق النظر وجودة التعليق والملاحظة.
ثم كانت عنايته بالإصلاح، بمشاركته في اللجان المكونة لذلك، وتوليه مشيخة الجامع الأعظم مرتين كان فيهما الموجه والمنظم، المحارب للأوضاع السائدة والعادات البالية، المصمم للمناهج القويمة، الساهر على تطبيقها، الحريص على تنويع التعليم في هذا المسجد العتيق بإصلاح الشعبة العلمية فيه، وإنشاء الشعبة العصرية به. وقد ترك فينا ما وضعه من جداول ومناهج لمختلف الشعب وسنوات التعليم. كما ضمن آرائه الإصلاحية ونقده لطرق التدريس وللعلوم والكتب المؤلفة قديما وحديثا في كتابه المشهور ” أليس الصبح بقريب “.
وتجاوز إصلاح التعليم الزيتوني إلى العناية بطلابه مسكنا ووضعا إجتماعيا لائقا، منقذا أكثر طلاب الزيتونة من الفقر والخصاصة والمرض والصدوف أو الإنقطاع عن الدرس.
وكان مما تولاه من المهام الإدارية والعلمية إلى جانب ذلك القضاء والفتيا ومشيخة الإسلام. وكان له من المنشورات الإصلاحية عدد المقالات صدرت له في المجلات الشرقية والتونسية، تناول فيها تحليل النظام الإجتماعي في الإسلام. ووضع ذلك في كتابه ” أصول النظام الإجتماعي “.
ومما تركه لنا رحمه الله تفسير للقرآن هو في هذا العصر أوسع التفاسير مادة، وأغزرها علما، وأعمقها فهما، وأصحها نظرا، وهو أشبه بالأمالي المعروفة قديما عند الأئمة من أهل العلم واللغة، كالمبرد وثعلب والقالي وإبن الشجري، وهو في واقع الأمر عبارة عن جملة دروسه ومحاضراته التي ألقاها على طلابه بالجامع الأعظم، ثم كتبها ولخصها في ثلاثين جزأ حسب تجزئة القرآن، راجيا أن تكون “تحريرا ” للآراء والمسائل، و ” تنويرا ” للعقول والأفهام، يرجع إليها الدارسون والباحثون ليدركوا عن طريقها مدى الإبداع والإمتاع والإعجاز النظمي في القرآن، وبجانب ذلك التفصيل للعديد من القضايا العلمية والأخلاقية والإجتماعية والتاريخية ونحوها، مما يدعو إليه النظر في كتاب الله العزيز الحكيم، ويقتضيه الإستنباط و الحرص على إستخراج ما تضمنه الكتاب المنزل من حقائق وآداب وعلوم ومعارف هي هدى ونور في هذه الدنيا وفي الآخرة، للناس كافة و لأهل القبلة خاصة.