05
يونيو

فتن الشواطئ : للتفقه بلا تشنّج ولا هوى

إنّ جميع بدن الرجل عورة على المرأة الأجنبية عنه ، ما عدا الوجه والأطراف ؛ ليس لها النظر إلا إلى ما يراه الرجل من

محرمه عند أمن الفتنة.

دليلنا في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُ ؤْ مِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾، فقد أمر الله تعالى النساء بغض أبصارهن كما أمر

الرجال، واستدلوا بحديث أم سلمة – رضي الله عنها- ” أعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ “، فلو كان نظر النساء إلى الرجال

مباحًا لما أمرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب عن ابن أم مكتوم – رضي الله عنه – وهو أعمى ، ولما أنكر عليهما

6( فقال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بِْنُ الْمُبَارَكِ ، / النظر إليه . والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ) 296

عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ نَبْهَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةُ

فَ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَنَا بِالْحِجَابِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْتَجِبَا مِنْهُ . فَقُلْنَا :

يَا رَسُولَ اللَّه ، أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَ لَا يَعْرِفُنَا ؟ قَالَ : أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ، ألَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ؟! .

وأخرجه أبو داود ) 4112 ( من طريق : مُحَمَّدُ بْنُ الْعَ لَا ءِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ به .

والترمذي ) 2778 ( من طريق : سُوَيْد ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه به .

وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

والنسائي في الكبرى ) 9197 ( من طريق : ابن وهب عن يونس بن يزيد به . وقال : قال أبو عبد الرحمن : ما نعلم أحدا روى

عن نبهان غير الزهري .

ولئن أعله كثيرٌ من أهل العلم ب” نبهان القرشي المخزومي مولى أم سلمة ومكاتبها ” كقول ابن حزم في المحلى : لا يوثق

وقول ابن عبد البر : مجهول .

3( فقال : ثقة / فقد ذكره ابن حبان في الثقات . وتساهله مجبور بكلام الذهبي فقد ذهب إلى توثيق نبهان كما في الكاشف ) 198

. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : مقبول . أي : إذا توبع .

وتضعيف الالباني و الأرنؤوط و العدوي لا يعني شيئا أمام هؤلاء.

ويكفيني كلام النووي في شرح مسلم : ” وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا . قَالَ التِّرْمِذِيّ : هُوَ

حَدِيث حَسَن . وَ لَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة. “

1( : “وَهُوَ حَدِيثٌ / و كلام الحافظ ابن حجر الذي قوى إسناد الحديث رغم اختلاف العلماء في صحته ؛ فقال في الفتح ) 653

مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ “.

9( : حديث أم سلمة الحديث المشهور “أفعمياوان” إنما هو حديث أخرجه أصحاب السنن من / وقال في موضع آخر ) 337

رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة

قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته .

والحديث مسنود بالمعقول ، وهو أن النساء أحد نوعي الآدميين ، فحرم عليهنّ النّظر إلى النوع الآخر، قياسًا على الرجال ،

يؤيده أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة ، وهو متحقِّق في نظر المرأة إلى الرجال ، بل أشدّ شهوة ، وأسرع افتتانًا.

ومن الرجال من يجذب عين المرأة وقلبها بشبابه ووسامته ، أو بقوته وفحولته ، أو بغير ذلك من المعاني التي ترنو إليها أعين

بعض النساء ، أو تهفو إليها قلوبهن .

وقد قص علينا القرآن الكريم قصة امرأة العزيز مع فتاها يوسف ، الذي شغفها حبًا وكيف غدت هي الطالبة لا المطلوبة ،

وكيف راودته عن نفسه وقالت : ” هيت لك قال معاذالله” . يوسف : 23 . رغم أنها ربته ابنا في بيتها منذ صغره .

كما قص علينا موقف نسوة المدينة حينما رأين يوسف لأول مرة بما آتاه الله من شباب وحسن ونضارة وقوة : ” فلما رأينه

أكْبَرْنَه وقَطَّعْن أيديهن وقُلْن حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.. قالت فَذَلِكُنّ الذي لُمْتُنَّني فيه ولقد راودته عن نفسه

فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَنَنَّ وليكونًا من الصاغرين ” . يوسف 31،32

فإذا نظرت المرأة إلى رجل معيّن ، فتحركت فيها عوامل الأنوثة ، فعليها أن تغض بصرها ، ولا تتابع النظر إليه ، بعدًا عن

مظنة الفتنة ، ويزداد الأمر خطرًا إذا بادلها الرجل النظر بنفس الرغبة والشهوة.. فهذا هو النظر الذي سموه )بريد الزنى(

والذي وُصِف بأنه )سهم مسموم من سهام إبليس( وهو الذي قال فيه الشاعر:.

كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر!.

فالسلامة في البعد عن مواضع الشرر ، ومواقع الخطر ، ونسأل الله العافية في الدين والدنيا .

ولا يعني قول المترخصين أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة ، جواز إظهار الرجل صدره أمام الرجال فضلاً عن إظهاره

أمام النساء ، فإذا لم يكن الصدر من العورة فكشفه من خوارم المروءة ، ومن فِعْلِ الفسَّاق .

ومما ينبغي أن يُعلم أن الشيء المباح إذا كان يترتّب على فعله مفسدة فإنه يمنع من أجل تلك المفسدة . فإذا كان كشف الرجل

صدره سيكون سبباً للفتنة أو يفتح باباً من أبواب الشر ، فإنه يمنع من أجل ذلك . فضلا عن نشر صوره على صفحات

التواصل الاجتماعي …

وقد شُرع اللباس لحكم عديدة منها : موافقة الفطرة ، والزينة ، والوقاية من الحر والبرد ، وستر العورة عن النظر إليها ، ودرء

الفتنة …

ولمّا امتن الله على عباده بخلقه اللباس الذي يواري السوءات نبَّه على لباس آخر أعظم وهو لباس التقوى .

قال تعالى : ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّه لَِعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ .

. يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا … ﴾ الأعراف/ 27 ، 26

دون أن ننسى أننا في عصر فتن ، جاء فيها أحاديث وآثار صدّقها الواقع ؛ منها ما رواه المنذري في الترغيب والترهيب عن

أنس بن مالك وقال : إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما : ” إذا استحلَّت أمَّتي خمسًا فعليهم الدَّمارُ ؛ إذا ظهر التَّلاعُنُ

وشرِبوا الخمورَ ولبَسوا الحريرَ واتَّخذوا القَيْناتِ واكتفَى الرِّجالُ بالرِّجالِ والنِّساءُ بالنِّساءِ”

وقد أخرجه الطبراني في “مسند الشاميين”، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” ، والبيهقي في “شعب الإيمان” واللفظ له.

وقد رواه ابن النجار في ترجمة محمد بن علي المحاملي من طريق سيف ابن مسكين – وفيه زيادة ونقص – ولفظه : قال :

خرجت في طلب العلم ، فقدمت الكوفة ؛ فإذا أنا بابن مسعود رضي الله عنه ، فقلت له : هل للساعة من علم تعرف به ؟ قال :

” سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : ” من أعلام الساعة : أن يكون الولد غيظًا ، والمطر قيظًا ، وتفيض

الأشرار فيضًا ، ويصدق الكاذب ، ويكذب الصادق ، ويؤتمن الخائن ، ويخون الأمين ، ويسود كل قبيلة منافقوها ، وكل سوق

فجارها ، وتزخرف المحاريب ، وتخرب القلوب ، ويكتفي النساء بالنساء ، والرجال بالرجال ، ويخرب عمران الدنيا ، ويعمر

خرابها ، وتظهر الغيبة وأكل الربا ، وتظهر المعازف ، والكبر ، وشرب الخمر ، ويكثر الشرط ، والغمازون ، والهمازون ” .

ورواه البيهقي في كتاب “البعث والنشور” بنحوه ، ثم قال : ” هذا إسناد فيه ضعف ؛ إلا أن كثيرًا من ألفاظه قد روي بأسانيد

أخر متفرقة ” . وقال ابن كثير : ” لهذا الحديث شواهد كثيرة “.

وإن كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد غرّب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه لجماله افتتن بعض النساء به حتى

شببت به إحداهن ، والقصة صحح إسنادها الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة ، ولم نطلع على أحد من العلماء

ضعفها. فكيف بمجتمع مليء بأمثال نصر مع تسيب الإناث وسهولة اتصالهن بمن يُردن ؛ ونظرة سريعة إلى المهرجانات تُنبئ

بسوء الحال.

ونظرة سريعة في حكم النظر إلى الأمرد من كتب الفقه – وما أكثر المُرد في هذا العصر – تجعلك تتيقن من صحة ما ذهب

إليه المالكية من أنّ جسد الرجل عورة أمام الأجنبية لا يبدو منه لها إلا الرأس والأطراف ، كعورة المرأة أمام محارمها ؛ لا

فرق بينهما ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد : ” إنما

النساء شقائق الرجال ” .

أرجو أن ننتفع بهذه العجالة ، وأن يجعلها الله خالصة لوجهه الكريم ، فينفعني بها في الدنيا ويوم الدين ، طالبا من قارئها نصيبا

من صالح دعائه عن ظهر الغيب لعل الفقير يحظى بشفاعة من مؤمن بإذن الغفور الرحيم . والله تعالى أعلم

الشيخ زهير الجندوبي