05
يونيو

فتوى يحيى اللّيثي في الأمير المنتهك لحرمة الشّهر

ن كفّارة الصّيام من الكفّارات التي فيها الخيار بين ثلاث خصال: بين الإطعام وهو أن يطعم الإنسان ستين مسكيناً، وبين العتق،

وبين صيام شهرين متتابعين. والرّاجح فيها التّخيير بين هذه الخصال مطلقاً، وقد أفتى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث

سلمة بن صخر بهذه الأمور فبيّن أن عليه أن يعتق رقبة، فضرب سلمة صفحة عنقه وقال: والذي بعثك بالحقّ لا أملك غير

هذه، فقال: “صم شهرين متتابعين”، فقال: وهل وقعت فيما وقعت فيه إلا من الصّيام؟ فقال: “أطعم ستين مسكيناً”، فقال: لا أجد

ما أطعمهم به، فقال: “اجلس”، فجلس فجيء النبي صلى اللهعليه وسلم بعرقٍ من تمر فيه ستون مدّا فقال: “أطعم هذا ستين

مسكيناً”، فقال والذي بعثك بالحقّ ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “أنفق هذا

على أهلك”. فهذه هي كفّارة الصّيام يُخيّر فيها الإنسان بين هذه الخصال الثّلاث.

والإطعام عند المالكيّة أفضل، وقد حصلت فتوى ليحي بن يحي اللّيثي صاحب مالك الذي روى عنه الموطأ، وذلك أنّ أحد

ملوك بني أميّة في الأندلس أفطر في نهار رمضان، فاستفتى العلماء في الكفّارة، فبادره يحيى بقوله: لا يجزئك إلا صيام

شهرين متتابعين ولا يُجزؤك ما سوى ذلك من الكفّارات، فأشكل ذلك على العلماء فسألوا يحي لمّا خرجوا ، فقال: “إنّ الملك لا

يشقّ عليه أن يطعم ستّين مسكيناً، فيفطر كل يوم ويطعم ستّين مسكيناً، وإذا أعتق فسيعتق من مالِ المسلمين، فلذلك لا يردعه

من الإفطار في نهار رمضان إلاّ أن يصوم شهرين متتابعين” وهذا النّوع هو من الإفتاء أو القضاء بالسّياسة الشّرعيّة،

والسّياسة الشّرعية معناه اختيار ما هو الأكمل والأفضل من الأمور التي فيها الخيار، فيجتهد فيها ولذلك اختار يحي في حقّ

الإنسان الذي لا يردعه إلاّ الصّوم أن كفّارته هي الصّيام.

ولئن حكم بعض العلماء  خاصّة من الشّافعية  على هذه الفتوى بالشّذوذ فهذا في الحقيقة لايصحّ، بل هو من باب التّرجيح

بالمصلحة وهو مشهور في مذهب الإمام مالك وعليه جماعة من الفقهاء منهم الإمام يحيى الطّوفي من الحنابلة.

ولخّص النّفراوي في “الفواكه الدّواني” كلام القرافي مؤيّدا ذلك فقال: إنّ الكفّارات شُرعت للزّجر، والملوك لا تنزجر

بالإعتاق لسهولته عليهم فتعيّن ما هو زاجر لهم، وهذا من النّظر في المصلحة ولا تأباه القواعد .

إذن فالإمام يحيى حمل الأمير على الأشقّ والأصعب لينزجر، ويحيى كبير مجتهدي الأندلس في عصره، ولذلك بقي قوله

مذكورا معتبرا في كتب المالكيّة، وإن كان خلاف مشهور المذهب.

اللهمّ ارزقنا حسن الفهم وأخرجنا من ظلمات الجهل والوهم.

محبّكم زهير بن محمد المنصف الجندوبي