الكريم النجار الإِمام العلامة النظار خاتمة العلماء الكبار المحققين الأخيار الذي لم تسمح بمثله الأدوار ولم يأتِ بشبهه الفلك الدوار مهذب مباحث الجهابذة ومحرر دلائل الأساتذة لسان المتكلمين وحجة الناظرين وبستان المفاكهين كان مولعاً بالمطالعة جمّاعاً للدواوين زوّاراً للعلماء والصالحين عالماً بالإنساب وتراجم المؤلفين متبحراً في العلوم النقلية إماماً في العلوم العقلية يتصل نسبه بالشيخ أبي محمَّد عبد السلام بن مشيش الشريف الإدريسي الحسني وأمه بنت الشيخ محمَّد قبادو والد أبي الثناء محمود المترجم له في الماضي فهو شريف الطرفين كريم الأصلين اعتنى والده بتأديبه فحفظ القرآن وأخذ عنه مبادئ العلوم وكان يؤثره على سائر بنيه ولما توفي والده سنة 1266 هـ كفله أخوه للأب الشيخ صالح تحت إشراف خاله أبي الثناء المذكور وبأثر ذلك التحق بتلامذة جامع الزيتونة فأتقن وجوه رواية القرآن وتفرغ بجده واجتهاده لتحصيل العلوم ولم تشغله عوائق الدهر عن نيل مراده وأخذ عن أعلام مبرزين وأئمة مهتدين كمحمد النيفر الأكبر وأخيه صالح والشيخ عاشور ومحمد الطاهر بن عاشور ومحمد البنا وعلي العفيف وجار الله عبد الله الدراجي ومحمد الشاذلي بن صالح وخاله محمود قبادو واستمر على كده وجده حتى صار نادرة عصره وواحد مصره حفظاً وتحصيلاً وإتقاناً وتصدى للتدريس وأتى بكل نفيس وختم الكتب العالية كشرح الشيخ عبد الباقي على المختصر والعضد على أصلي ابن الحاجب والمغني والمطول والقطب على الشمسية والصحيحين والموطأ والشفا والمواهب وتفسير القاضي البيضاوي بلغ فيه سورة آل عمران وغير ذلك مما يطول ذكره في فنون شتى وتخرج عليه الكثير من فحول العلماء منهم ابنه بلحسن وأجازه وحمودة تاج ومحمد بن يوسف وإسماعيل الصفايحي وعلي الشنوفي ومحمود موسى، قرأت عليه الصغرى والعضدية في آداب البحث، له مؤلفات غاية في التحصيل والإفادة منها ما أملاه على أهم أبواب صحيح البخاري بمناسبة أختامه الرمضانية بمسجدي الشيخ أحمد بن عروس والحرمل التي لا تقل عن سبعين موضوعاً ولو جمع لكان مؤلفاً مفيداً ومجموع الفتاوى نحو ثمانية مجلدات وبغية المشتاق في مسائل الاستحقاق وشمس الظهيرة في مناقب وفقه أبي هريرة رضي الله عنه قصد به الرد على بعض المتفقهة القائل بسلب الاجتهاد عن هذا الصحابي الجليل ورسالة في حكم الحاكم المالكي بتأبيد حرمة المدخول بها في العدة وتأليف ممتع سماه تحرير المق الذي أحكام رؤية الهلال وله تقريرات على السيد على المواقف وتفسير البيضاوي والمطول وشرح الجلال المحلي على جمع الجوامع وغير ذلك، جمع رحمه الله مكتبة مهمة نادرة الوجود بشمال إفريقية حوت من المخطوطات أمهات عزيزة الوجود وبما أضافه إليها ابنه الشيخ بلحسن صارت لا تقل عن ألفي مجلد، كان عصامي النفس عالي الهمة لا يحتفل بالوظائف ولا بالوجاهة لدى أهل الحل والعقد ولذا كانت المعالي تخطبه والرتب السامية تحن إليه حنين الكفؤ لكفؤه ففي سنة 1271 هـ أسندت إليه خطة العدالة وفي سنة 1284 هـ صار مدرساً من الطبقة الثانية وارتقى للطبقة الأولى سنة 1287 هـ وأسندت إليه رواية البخاري بمقام الشيخ أحمد بن عروس وفي سنة 1311 هـ أسندت إليه إمامة مسجد الحرمل ورواية الحديث به وفي سنة 1313 هـ زفت إليه الفتوى فقام بها أحسن قيام وحمده الخاص والعام وتوفي عليها عالي الكعب آمن السرب في الخامس والعشرين من رمضان سنة 1331 هـ[1912 م].