أهمية السند في تلقي علوم الدين
كان هذا الحوار مع بعض الإخوة حول قيمة الإسناد في الدين و خاصة أنه قد شاع في زماننا قول الجهول أنه بعد تدوين الكتب و
طباعتها لا حاجة للسند و الإسناد.
و إنه اليوم و في زماننا أوكد الأمور الأخذ بالسند في كل العلوم فقد وقفت على تحريف كبير في كتب العلم المطبوعة في زماننا و
لولا نعمة الله على الفقير بالتلقي بالسند لما تنبهت لهذه التحريفات و الخيانات للأمانة و مبتور السند لا يمكن أن يكون أمينا أبدا
مما نرويه من مقدمة صحيح مسلم رضي الله عنه و أرضاه في مقدمته من صحيحه قول سيدي عبد الله بن المبارك نفعناالله بعلومه
أمين قوله : الإسناد من الدين. ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
وقال الحافظ السخاوي: “الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، و سنة بالغة من السنن المؤكدة و قد روينا من طرقٍ إلى
ابن عباس قال: سمعت محمد بن حاتم بن المظفر يقول: إنالله قد أكرم هذه الأمة و شرفها و فضلها بالإسناد، و ليس لأحد من الأمم
كلها قديما و حديثا إسناد، و إنما هي صحف في أيديهم، و قد خلطوا بكتبهم أخبارهم، فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة و
الإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات، و هذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في
زمانه المشهور بالصدق و الأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، فالأضبط
فالأضبط، و الأطول مجالسة فمن فوقه عمن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث عن عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط و
الزلل، و قد يضبطون حروفه و يعدونه عدا، فهذا من فضل نعم الله على هذه الامة”.
و من كيد أعداء الدين في زماننا هو إنكار الإسناد و من ينكر الإسناد لا علم له و يحذر من الأخذ عنه فمن لم يقيده سند في ما يقول
)قيد دين و تقوى( فهو طليق بعقله في ما يقول.
الإسناد في كل العلوم لدرجة أن الأكابر كانوا يروون أخبار الهزل بالأسانيد
و إن قبض أخر من يحمل سند في الدنيا هو رفع العلم على المعنى الصحيح
و لا تأخذ العلوم بالكلية عن من ليس له سند و إذن بتدريسها و يوكد الأمر في علم عقائد الأمة – فإن أهل الإسناد محلفون و يتحدثون
بما سمعوا بدون تحريف و لا زيادة و لا نقصان فقط واجبهم تبليغ المسائل كما تلقوها و منتهى جهدهم هو التعبير عنها بما يناسب
عصرهم
لذلك ما ستسمعونه في هذه الدروس نفسه في كل أرض قدمت للتدريس من له سند و إذن بالتدريس
تسمعون المسائل عندي و تسمعونها من سادتنا بالزيتونة و الأزهر و القراويين و الصولتية و الأشرفية و غيرها … ففي كل مرة
إحياء للمتلقى و فهم لخصوصية المتلقي فتنموا عندكم الملكة
و تنتهون بعدها أن ما سمعتموه مني هو عينه ما سمعتموه في المدارس العلمية الكبرى بل كلها تدندن حوله –
و أذكر قبض العلم في أخر الزمان هو بقبض أخر موصول بالجناب المحمدي صل الله عليه و أله و سلم بسند.
الشيخ حسن بن جمال السوسي الزيتوني المالكي