09
فبراير

عقیدة الشیخ الأكبر محي الدین بن العربي رحمه الله

لطلبة العقیدة من من درستهم بل قل راجعت المسائل معهم في تونس و خارجها و ألذین كرروا على الفقیر السؤال في ما یخص عقیدة الإمام الأكبر سیدي محي الدین ابن عربي نفعنا الله به:

أذكركم بدروس الردة أنه لا یمكن الحكم على شخص في عقیدته مما یكتب الا إذا كان ما یكتبه صریح المدلول لا یقبل الإعذار و لا التأویل – لأن مذهبنا هو الإعذار و البحث عن المخارج لا تسرع بالتكفیر و هذا ما علیه الأمة إلا فرق اشتهرت في زماننا تكفر بالشیهة أو إحتیاطا

بالنسبة لعقیدة الإمام الأكبر هي عقیدة لم تخرج قید أنملة على ما جاء به سیدنا رسول الله صل الله علیه و أله و سلم و هذا مستنتج مما صرح به رحمه الله في كتبه عامة و خاصة في الفتحات و ما ترونه الیوم أو سابقا من تكفیره أو تفسیقه هو نابع من عدم مجارات من اطلع على كتبه مداركه فهم لم یصیبوا مراد الامام من أقواله و لم یكلفوا أنفسهم عناء البحث و طرح

السؤال ما مراده من هذه الكلمة و بحثوا عنها من خلاله لا من خلال أفهامهم و أذكركم بقواعد قراءة الكتب في أي علم من العلوم :

-1 نفي الأنا عند القراءة و التركیز على فهم مراد صاحب الكتاب

-2 نفي الأنا عند القراءة و التركیز على فهم مراد صاحب الكتاب

-3 في حالة عدم الفهم نسبة النقص للنفس لا في صاحب الكتاب

-4 محاولة فهم المشكل من الكتاب عند أرباب العلم

و قبل هذه القواعد یجب تعلم العلم ألذي تنوي قراءة ما ألف فیه على شیخ متقن متبحر مأذون بالتدریس أقر بالفهم فیه و أّذن لك بالقراءة فیه

خلاصة عقیدة الإمام الأكبر من خلال الفتحات المكیة:

فیا إخوتي وإحبائي رضي الله عنكم، أشهدكم عید ضعیف مسكین فقیر إلي الله تعالي في كل لحظة وطرفة، أشهدكم علي نفسه بعد أن أشهد الله تعالي وملائكته, ومن حضره من المؤمنین وسمعه أنه یشهد قولا وعقدا, أن الله تعالي إله واحد، لا ثاني له وألوهیته منزه عن الصاحبة والولد، مالك لا شریك له ملك لا وزیر له، صانع لا مدبر معه، موجود بذاته من غیر افتقار إلى موجد یوجده, بل كل موجود سواء مفتقر إلیه تعالي في وجوده فالعالم كله موجود به، وهو وحده متصف بالوجود لنفسه، لیس بجوهر متحیز فیقدر له مكان ولا بعرض فیستحیل الیه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء، مقدس عن الجهات والأقطار, مرئي بالقلوب والأبصار, إذا شاء استوي على عرشه كما قاله وعلى المعني الذي اراده كما أن العرش وما سواه به استوي, وله الآخرة الأولي، لیس له مثل معقول ولا دلت علیه العقول, لا یحده زمان ولا یقله مكان بل كان ولا مكان وهو على ما علیه كان, خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان وقال : أنا الواحد الحیي لا یؤوده حفظ المخلوقات ولا ترجع الیه صفة كم یكن علیها من صنعة المصنوعات, تعالى ان تحله الحوادث أو یحلها أو تكون بعده أو یكون قبلها بل یقال كان ولا شيء معه فإن الله قبل والبعد من صیغ الزمان الذي أبدعه فهو القیوم الذي لا ینام والقهار الذي لا یرام لیس كمثله شيء. خلق العرش وجعله حد الاستوي وأنشأ الكرسي وأوسعه الأرض والسماوات العلى، اخترع اللوح والقلم الأعلى وأجراه كاتبا بعلمه في خلقه إلي یوم الفصل والقضاء، أبدع العالم كله علي غیر مثال سبق وخلق الخلق وأخلق الذي خلق أنزل الأرواح في الأشباح أمناء وجعل هذه الأشباح المنزلة إلیها الأرواح في الأرض خلفاء وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جمیعا منه فلا تتحرك ذرة الا الیه وعنه خلق الكل من غیر حاجة الیه ولا موجب أوجب ذلك علیه لكن علمه سبق بأن یخلق ما خلق فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدیر أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا یعلم السر وأخفى یعلم خائنة الأعین وما تخفي الصدور كیف لا یعلم شیئا وهو خلقه (ألا یعلم من خلق وهو اللطیف الخبیر) علم الأشیاء منها قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما علمها فلم یزل عالما بالأشیاء لم یتجدد له علم عند تجدد الأشیاء، بعلمه أتقن الأشیاء وأحكمها وبه حكم علیها من شاء وحكمها علم الكلیات على الأطلاق كما علم الجزئیات بإجماع من أهل النظر الصحیح واتفاق، فهو عالم الغیب والشهادة فتعالي الله عما یشركون. فعال لما یرید فهو المرید الكائنات في عالم الأرض والسماوات لم تتعلق قدرته بشيء حتى أراده كما أنه لم یرده حتى علمه، إذ في العقل أن یرید ما لا یعلم, أو یفعل المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا یرید كما یستحیل أن توجد نسب هذه الحقائق في غیر حي كما یستحیل أن تقوم الصفات بغیر ذات موصوفة بها فما في الوجود طاعة ولا عصیان ولا ربح ولا خسران ولا عبد ولا حر ولا برد ولا حر ولا حیاة ولا موت ولا حصول ولا فوت ولا نهار ولا لیل ولا اعتدال ولا میل ولا بر ولا بحر ولا شفع ولا وتر ولا جوهر ولا عرض ولا صحة ولا مرض ولا فرحولا ترح ولا روح ولا شبح ولا ظلام ولا ضیاء ولا أرض ولا سماء ولا تركیب ولا تحلیل ولا كثیر ولا قلیل ولا عداة ولا أصیل ولا بیاض ولا سواد ولا رقاد ولا سهاد ولا ظاهر ولا باطن ولا متحرك ولا ساكن ولا یابس ولا رطب ولا قشر ولا لب ولا شيء من هذه النسب المتضادات منها والمختلفات والمتماثلات الا وهو مراد للحق تعالى. و كیف لا یكون مرادا له وهو أوجده فكیف یوجد المختار ما لا یرید لا راد لأمره ولا معقب لحكمه یؤتي الملك من یشاء وینزع الملك ممن یشاء ویعز من یشاء ویذل من یشاء ویضل من یشاء ویهدي من یشاء، ما شاء كان وما لم یشاء أن یكون لم یكن لو اجتمع الخلائق كلهم على أن یریدوا شیئا لم یرد الله أن یریدوه ما أرادوه أو یفعلوا شیئا لم یرد الله إیجاده وأرادوه عندما أراد منهم أن یریدوه ما فعلوه ولا استطاعوا على ذلك ولا أقدرهم علیه فالكفر والإیمان والطاعة والعصیان من مشیئته وحكمه وإرادته ولم یزل سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلاوالعالم معدوم غیر موجود وإن كان ثابتا في العلم في عینه ثم أوجد العالم من غیر تفكر ولا تدبر عن جهل أو عدم علم فیعطیه التفكر والتدبر على ما جهل جل وعلا عن ذلك عل أوجده عن العلم السابق وتعیین الإرادة المنزهة الأزلیة القاضیة على العالم بما أوجدته علیه من زمان ومكان أكوان وألوان فلا مرید في الوجود علي الحقیقة سواه إذ هو القائل سبحانه (و ما تشاءون إلا أن یشاء الله) سورة الإنسان و أنه سبحانه كما علم فأحكم واراد فخصص وقدر فأوجد كذلك سمع ورأى ما تحرك وسكن أو نطق في الورى من العالم الأسفل والأعلى لا یحجب سمعه البعد فهو القریب ولا یحجب بصره القرب فهو البعید یسمع كلام النفس في النفس وصوت المماسة الخفیة عند اللمس ویري السواد في الظلماء والماء في الماء لا یحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا النور وهو السمیع البصیر.

تكلم سبحانه لا عن صمت متقدم ولا سكوت متوهم بكلام قدیم أزلي كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته كلم به موسى سماه التنزیل والزبور والتوراة والإنجیل من غیر حروف ولا أصوات ولا نغم ولا لغات بل هو خالق الأصوات والحروف واللغات فكلامه سبحانه من غیر لهاة ولا لسان كما أن سمعه من غیر أصمخة ولا أذان كما أن بصره من غیر حدقة ولا أجفان كما أن إرادته في غیر قلب ولا جنان كما أن علمه من غیر اضطرار ولا نظر في برهان كما أن حیاته من غیر بخار بجویف القلب حدث عن امتزاج الأركان كما أن ذاته لا تقبل الزیادة والنقصان فسبحانه سبحانه من بعید دان عظیم السلطان عمیم الأحسان جسیم الامتنان كل ما سواه فهو في وجوده فائض، وفضله وعدله الباسط له والقابض، أكمل صنع العالم وأبدعه حین أوجده وإخترعه لا شریك له في ملكه ولا مدبر معه في ملك غیره فینسب إلي الجور والحیف ولا یتوجه علیه لسواه حكم فیتصف بالجزع لذلك والخوف كل ما سواه تحت سلطان قهره ومتصرف عن

إرادته و أمره فهو الملهم نفوس المكلفین التقوي والفجور وهو المتجاوز عن سیئات من شاء، وألآخذ بها من شاء هنا وفي یوم النشور لا یحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله أخرج العالم قبضتین وأوجد لهم منزلتین فقال هؤلاء للجنه ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم یعترض علیه معترض هناك، إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصریف أسمائه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء الآئه ولو أراد ستحانه أن یكون العام كله سعیدا لكان أو شقیا لما كان من ذلك في شأن لكنه سبحانه لم یرد فكان كما أراد فمنهم الشقي والسعید هنا وفي یوم المعاد فلا سبیل إلى تبدیل ما حكم علیه القدیم وقد قال القرآن في الصلاة هي خمس وهي خمسون (ما یبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبید) سورة ق: 29 لتصرفي في ملكي وإنفاذ مشیئتي في ملكي وذلك لحقیقة عمیت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر علیها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب، الا هي وجود رحماني لمن اعتني الله به من عباده وسبق له ذلك بحضرة أشهاده فعلم حین أعلم أن الألوهة أعطت هذا التقسیم وأنه من رقائق القدیم فسبحان من لا فاعل سواه ولا موجود لنفسه الا إیاه (و الله خلقكم وما تعملون) سورة الصافات: 96 و(لا یسئل عما یفعل وهم یسئلون) سورة الأنبیاء : 23 (فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعین) سورة الأنعام: 149 و كما أشهدت الله وملائكته وجمیع خلقه وإیاكم على نفسي بتوحیده فكذلك أشهده سبحانه وملائكته وجمیع خلقه وإیاكم على نفسي بالإیمان بمن اصطفاه واختاره واجتباه من وجوده ذلك محمد صلي الله علیه وسلم الذي أرسله إلى جمیع الناس كافة بشیرا ونذیرا وداعیا إلى الله بإذنه وسراجا منیرا فبلغ صلي الله علیه وسلم ما أنزل من ربه إلیه وأدي أمانته ونصح أمته ووقف في حجة وداعه على كل من حضر من أتباعه فخطب وذكر وخوف وحذر وبشر وأنذر ووعد وأوعد وأمطر وأرعد وما خص بذلك التذكیر أحدا من أحد عن إذن الواحد الصمد ثم قال (الا هل بلغت) فقالوا بلغت یارسول الله فقال صلي الله علیه وسلم اللهم اشهد واني مؤمن بكل ما جاء به صلي الله علیه وسلم مما علمت وما لا أعلم فمما جاء به فقرر أن الموت عن أجل مسمى عند الله إذا جاء لا یؤخر فأنا مؤمن بهذا إیمانا لا ریب فیه ولا شك كما آمنت وأقررت أن سؤال فتاني القبر حق وعذاب القبر حق وبعث الأجساد من القبور حق والعرض على الله تعالي حق والحوض حق والمیزان حق وتطایر الصحف حق والصراط حق والجنة حق والنار حق وفریقا في الجنة وفریقا في النارحق وكرب ذلك الیوم حق على طائفة وطائفة أخرى لا یحزنهم الفزع الأكبر وشفاعة الملائكة والنبین والمؤمنین وإخراج أرحم الراحمین بعد الشفاعة من النار من شاء حق وجماعة من أهل الكبائر المؤمنین یدخلون جهنم ثم یخرجون منها بالشفاعة والامتنان حق والتأید للمؤمنین والموحدین في النعیم المقیم في الجنان حق والتأبید لأهل النار في النار حق وكل ما جاءت به الكتب والرسل من عند الله علم أو جهل حق. فهذه شهادتى علي نفسى أمانة عند كل وصلت إلیه أن یؤدیها إذا سئلها حیثما كان نفعنا الله وإیاكم بهذا الإیمان وثبتنا علیه عند الانتقال من هذه الدار إلى الدار الحیوان وأحلنا منها دار الكرامة والرضوان وحال بیننا وبین دار سرابیلها من القطران وجعلنا من العصابة التي أخذت الكتب بالإیمان وممن انقلب من الحوض وهو ریان وثقل له میزان وثبتت له علي الصراط قدمان إنه المنعم المحسان, فالحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق

الشيخ حسن بن جمال السوسي