04
يونيو

أثر الغوغاء في فتاوى العلماء

أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق التونسي فقيه قيرواني من الطبقة التاسعة، توفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة للهجرة بلغ من علمه أن

تنافس العلماء على شروحه وتعليقاته على المدونة وكتاب ابن المواز وقال فيه عبد الحميد الديباجي:

حاز الشرفين من علم ومن عمل … وقلّما يتأتّى العلم و العمل

وبلغ من شهرته وعالميته أن رثاه جمع من الشعراء على رأسهم ابن رشيق القيرواني بقصيدة فريدة منها:

يا للرّزيّة في أبي إسحاق … ذهب الزمان بأنفس الأعلاق

ذهب الحِمام بخاشع مُتبتّل … تبكي العيون عليه باستحقاق

ما هي فتواه التي امتُحن بسببها؟؟؟

أفتى بتقسيم الشيعة إلى قسمين: أحدهما من يُفضّل عليا على غيره من الصحابة – رضي الله عنهم – دون سبّ للغير ، فليس بكافر،

والقسم الثاني من يفضل عليا – عليه السلام – ويسبّ غيره فهو بمنزلة الكافر لا تحلّ مُناكحته..

هاته الفتوى أنكرها عليه العامّة وفقهاء إفريقيّة ، وأرسلوا إليه أن يعاود النّظر ويرجع عن هاته الفتوى فأبى. ونسبوا إليه ما نسبوا…

واجتماع الرعاع مع المتفقّهة على عالم مصيبة لا تعدلها مصيبة… وصارت “قضيّة رأي عامّ” تدخل فيها الإعلام و السّياسة وأهل

الرئاسة الفقهية … وأمر الملك المعز بن باديس بسجلّ في القضية من التبرّي من فتواه وأمر بقراءته على المنبر يوم الجمعة قبل

الصلاة…

ثمّ أمر بإحضار أبي إسحاق بمقصورة الجامع مع أبي القاسم اللبيدي )ت 440 ه( والقاضي أبي بكر أحمد بن أبي عمر بن أبي زيد

)ت بعد 460 ه(.. وحكم اللبيدي في المسألة؛ فحكم بأن يرجع أبو إسحاق عن فتواه ويقرّ بالتوبة على المنبر، في مشهد حافل ويقول:

كنت ضالاّ فرجعت..

فاستعظم ذلك وقال ها أنا أقول هذا بينكم فقنعوا منه بذلك، وخرج صبيحة اليوم إلى المنستير تسكينا للقضية… ثم رجع إلى القيروان

وفيها توفي وحضر جنازته المعزّ نفسه في جمع عظيم؟؟؟

التقاء الأهواء السياسة بغوغائية العامّة مع العصبية الفقهية يُنتج دعارة فكرية يتاجر بها شُطّار الانتهازيّة في كل زمان ومكان…

وحديثنا قياس…

وحتى لا أتعصّب لأبي إسحاق ، إليكم حكم القاضي عياض بين الفريقين باختصار من “المدارك” قال: ولا امتراء عند كل منصف

أنّ الحقّ ما قاله أبو إسحاق، وأنه جرى في فتواه على العلم وطريق الحكم، ومع هذا فما نقصه هذا عند أهل التّحقيق ولا حطّ من

منصبه عند أهل التّوفيق، وأنّ رأي الجماعة في النازلة كان أسدّ للحال وأولى.. أقول للتّوضيح أن العهد الذي صدرت فيه الفتوى

لصيق بطرد الشيعة الإسماعيلية من تونس، وفضائع الإسماعيلية لاتزال عالقة بعقول العامة ، وقد أعمل المعزّ سيفه في بقاياهم.. ويا

لهول السياسة حين تستحكم برأي فقيه وتستجمع بالعامة والدهماء ؟؟؟ ويا ويل من وقع بين شِقّي الرَّحَى… لكنّ الحقّ حقٌّ وهو أولى

بالاتّباع وعند الله تلتقي الخصوم…

الشيخ زهير الجندوبي